اليتيمة، الشمعة، الأم

اليتيمة، الشمعة، الأم

...يا شمعة تسيل دموعك، تحترقين ببطء ثم تفنين و لايبقى منك سوى الأثر، أما أنا فتسيل دموعي، احترق ببطء، لكن... لا أفنى بل أواصل الحياة.
يا شمعة عمرك ليلة و عمري تجاوز الليلة، حسرتك ساعات و حسرتي فاقت السنوات. يا شمعة الدمع سلعتك و النار زبون و زبونك كريم كذلك حالي مع الهم زبوني.
يا شمعة في الغد أنهض لأواصل الألم، لكنك لا تنهضين فلا تتألمين. يا شمعة آلامك بادية، أسبابها جلية؛ تحترقين فتنيرين الليالي، تبددين آلام الحيارى، تسامرين العشاق، تستمعين لآهات المحزونين، تجالسين جميع الناس؛ سعيدا و شقيا، غنيا و فقيرا، عالما و أديبا، جاهلا و أريبا. تنصتين لأسرارهم، فيحفظون عهدك، يعرفون حقك فيطيبون ذكرك. آنا لا جليس معي و لا أنيس يرعاني.
يا شمعة كوني سميرتي في ليلتي و اسمعي رسالتي إلى والدتي.

أمي...أمي...أمي... يا امرأة في حياتي، يا إسما عرفته دون رسم و حلما عرفته دون يقظة.
بالآمس دخلت المدرسة أول مرة، يقولون عنها عالما جميلا، أنا وجدتها فظيعة و حزني كان عميقا... و لا يزال.
في الليلة التي سبقت دخولي لم أجد من يشجعني على الإقبال عليها، لم يكن هناك من يحضر لي ملابسي الجديدة، بل لم يكن هناك أية ملابس جديدة و لا من يحدثني عن المدرسة بأجمل الكلمات. كل ما في الأمر أنني تلقيت الخبر: " غدا تذهبين إلى المدرسة" عبارة جــافة.
و تساءلت: المدرسة!!! أي عالم هذا؟ ما المغامرة الجديدة التي تنتظرني؟ ...آه منها ليلة!
في المدرسة رأيت أطفالا كثيرين، رجالا ونساء؛ هذا جاء برفقة أمه، تلك صحبها أبوها و الآخر حضر معه والداه. أنا بعثوني مع ابن الجيران، تركني عند الباب و انصرف... رأيت الأطفال يبكون لحداثة اللقاء و يجرون إلى أحضان الآباء و الأمهات يخفون دموعهم و يلجأون إلى الحضن الدافيء. أنا.. لم أبك، رغم صعوبة الأمر، لم أبك؛ لم يكن هناك صدر يضمني فكبت دموعي. و ماذا إن بكيت، لن أجد من يهديء من روعي، يبتسم في وجهي و يضحك من براءتي و يطمئنني.
أحاديث الأطفال تناولت بعد ذلك موضوعا مهما " الملابس" – " أنا اشترت لي أمي فستانا وحذاء و وضعت لي العطر في الصباح" - " أنا خاطت لي أمي ملابسي كلها" – " أنا أحضر لي إخوتي جميع ما أحتاج إليه"... أما أنا فلا حذاء و لا ملابس و لا عطر، ملابسي قديمة و حذائي أيضا.. لقد بدوت بينهم قديمة.. لما يا أمي
....
في المساء، قبل النوم لم أجد أبدا من يحكي لي قصصا جميلة، و إذا ما استيقظت مرعوبة فزعة من أحلامي السوداء فلن يكون هناك من يزيل عني الخوف. يا أمي يا بعيدة عني أنت حظك عظيم، يمكن أن يكون لك أبناء غيري و لا إمكانية لي في أم غيرك.
أمي لا أعرف بعد ما الحقد، صغر سني يمنعني من معرفته، لكن أخشى أن أعرفه و أن يكون أول شخص أحقد عليه هو أنت، لأنه كان يفترض أن أول شخص أحبه هو أنت فلم أجدك.

يا شمعة ها أنت في آخر لحظات معاناتك، غادري و لك شكري. أنا سأحلم بعودة أمي.